مقالات

” إقتصاد الأزمات ” وفرص تحقق بعض المكاسب

الإقتصادية رغم تفشي وباء كورونا

مقال رأي بقلم د.محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الأفريقية

باديء ذي بدء أود أن أستعرض مفهوم الأزمة الاقتصادية حيث يشار لها في الأدبيات الاقتصادية على كونها أزمة بدأت في أحد نواحي الحياة والقطاعات الاقتصادية مثل الأزمة المالية لعام ٢٠٠٨ أو بدأت خارجها مثل الأزمة الطبية نتيجة تفشي وباء كورونا والتي إمتدت آثارها على الاقتصاد وهذه الأزمات التي تبدأ في أي قطاع اقتصادي أو تبدأ خارج القطاعات الاقتصادية وتمتد آثارها سلبيا على الاقتصاد هذه الأزمات جميعا تؤدي لتراجع ملحوظ بشكل كبير في النواحي الاقتصادية كافة كما تؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي أو الدخول في مرحلة من الركود ثم مرحلة من الكساد إذا واصل التراجع الاقتصادي وامتد زمنيا لفترات طويلة تؤثر على الطلب الكلي والعرض الكلي معا ، وهناك قديما نماذج لتحقق بعض المكاسب إلى جانب الخسائر في أثناء بعض الأزمات الاقتصادية لكن الأزمات الاقتصادية أصبحت في السنوات الأخيرة كبيرة جدا وتنتقل خلال أيام بل خلال ساعات من دولة لدولة أخرى ومن قارة لقارة أخرى وهو الأمر الذي يستدعي دراسة نوع جديد من الاقتصاد هو وفقا لبحثي الشخصي المتواضع يعرف بـ ” اقتصاد الأزمات ” وهو لم يعرف ولم يتعرض له أحد من علماء الاقتصاد بهذا الإسم والوصف من قبل وقبل أن أعرض وجهة نظري المتواضعة يجب الحديث عن حجم ما تم تحقيقه من مكاسب في بعض الدول في ظل تفشي وباء كورونا وسوف أتناول مصر نموذجا لأن مصر ليست دولة صناعية كبيرة وليست دولة تعتمد على المساعدات فقط واقتصادها يجمع بين معظم القطاعات الاقتصادية بنسب متفاوتة وان كان معظم اقتصاد مصر خدمي ومعظم العمالة في مصر عمالة موسمية غير منتظمة ، فهل تنجح دولة مثل مصر من تحقيق أي مكسب اقتصادي من خلال أي قطاع من القطاعات الاقتصادية بها وتوجيه هذا المكسب لتلافي بقية الآثار الاقتصادية السلبية لتفشي وباء كورونا أو أي أزمة أخرى وهذا محل بحث علمي محكم لا تتوافر البيانات اللازمة له الآن ولن تتوافر البيانات اللازمة للبحث والإجابة على هذا التساؤل قبل عام من الآن على الاقل لذلك سوف اكتفي بعرض لما تحقق في مصر من انجاز خلال الأربع شهور الأولى للعام الحالي في ظل تفشي وباء كورونا ، حيث جاء في بيان لوزارة التجارة والصناعة المصرية بالأمس أن عجز الميزان التجاري لمصر انخفض خلال الأربع شهور الأولى للعام الحالي بقيمة ٥.٥٧٠ مليار دولار أمريكي أي أن الانخفاض يعادل ما قيمته ٣٥% من العجز في الميزان التجاري لنفس الفترة من العام الماضي .
وجاء في ذات البيان للوزارة أن الواردات السلعية غير البترولية تراجعت بشكل كبير جدا بنسبة ٢٤% خلال الشهور الأربع الأولى من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة للعام الماضي .
وجاء هذا التراجع الكبير والملحوظ نتيجة لادارك الإدارة السياسية والاقتصادية في مصر لتراجع التجارة الدولية خلال العام الحالي بسبب تفشي وباء كورونا فكانت الحكومة المصرية سباقة في اتخاذ إجراءات ساعدت على تفادي الآثار السلبية لتفشي وباء كورونا على التبادل التجاري الدولي فتم تشجيع الصناعة المصرية وتوفير الدعم اللازم ضريبيا وتوفير الطاقة اللازمة للمصانع المصرية بأسعار مناسبة وتم توجيه جزء كبير من إنتاجية المصانع المصرية لسد الحاجة نتيجة لتراجع الواردات وهو الأمر الذي أثر على الصادرات المصرية حيث تراجعت الصادرات المصرية بنسبة ٢% فقط خلال الأربع شهور الأولى للعام الحالي مقارنة بذات الفترة من العام الماضي وهي نسبة ضئيلة جداً في أزمة كورونا ولا تقارن بالمكاسب المتحققة من تراجع الواردات غير النفطية ، مما تقدم تتضح أنه لدى مصر وكل الدول التي لديها قدرات على إعادة هيكلة مصانعها وتوجيه الإنتاج المحلي لسد الطلب المحلي بدلا من توقف الإنتاج نتيجة تعطل حركة التجارة الدولية وكلما كان لأي دولة قدرات إنتاجية أكثر مرونة وقدرات على سد كل أنواع الطلب المحلي كلما كانت تلك الدولة قادرة على تحقيق مكاسب اقتصادية حتى في ظل أزمة كورونا أو غيرها وهذا يمكن أن يتحقق بصورة كبيرة لبعض الدول أيضا مثل الصين وهي دولة صناعية كبرى توصف بأنها مصنع العالم وهي التي إستطاعت بمرونة كبيرة تحويل نشاط كثير من مصانعها لإنتاج الكمامات والمطهرات وأجهزة التنفس الصناعي وكل المستلزمات الطبية التي يزداد الاقبال العالمي عليها الآن ، وهذا يقودنا إلى أن المستقبل القريب والمنظور ستقوده الأنظمة الاقتصادية الأكثر مرونة واستيعابا لأي تقلبات اقتصادية عالمية وهي الاقتصادات المرنة التي تمتص الصدمات وتستفيد منها بل وتحولها لمكاسب اقتصادية من خلال ما يعرف بـ
” اقتصاد الأزمات ” .
وأذكر نفسي وأذكر القراء الكرام بعبارة لـ ”فيكتور هوغو” الذي قال ذات مرة: “الأخطار الجسيمة تحمل في طياتها نوعا من الجمال ؛ إذ إنها تسلط الضوء على أواصر الأخوة بين الغرباء”.
وهذا حجر الأساس في تعريفي المتواضع لما أسميه نتيجة بحث واجتهاد شخصي متواضع :-
..” اقتصاد الأزمات ” :-
.. اقتصاد الأزمات
هو ذلك الاقتصاد الذي يجمع شتات البشرية للخروج من أزمة إضافية جديدة تهدد العالم أجمع غير أزمة نقص الموارد وتعدد الرغبات لأن عدم توحد البشرية في الازمات العالمية المقبلة والصراع الاقتصادي قصير النظر سيقود لفناء بعض البشر اليوم وفناء البقية القليلة المتبقية من البشر غدا ويمكن أيضا تعريف اقتصاد الأزمات على مستوى مرونة الهياكل الاقتصادية واستيعاب الأزمات كما يلي :-
.. اقتصاد الأزمات
هو ذلك الاقتصاد الذي يبحث في كيفية الخروج من الأزمات الاقتصادية بأقل الخسائر الممكنة مع تطوير الهياكل الاقتصادية لتحقيق بعض المكاسب كلما أمكن ذلك .

فهل سيتم الإستفادة من خبرات علم إدارة الازمات وخبرات الطب الوقائي والتعايش مع الأمراض وخبرات ما تحقق من إنجاز اقتصادي في دول مثل مصر والصين في ظل أزمة تفشي وباء كورونا لوضع أسس علم جديد هو علم ” اقتصاد الأزمات ” ليكون بمثابة أحد الأفرع الحديثة لعلم الاقتصاد ، هذا ما سوف تجيب عليه الأيام والسنوات المقبلة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق