مقالات

هل دقَّت طبول الحرب بين تركيا ومصر ؟!

إذا ما سالت أي مسؤل في البلدين ستكون الإجابه بالقطع لا ، لا اأحد يحلم بذلك ، لا احد يتمنى ذلك .
ومع ذلك فمسار العلاقه بين الطرفين أخذ منحني خطير جدا بعد أن تغيرت العلاقه من المنافسه إلى المواجهه كما هو حادث في شرق المتوسط ، وتحولت الموجهه إلى حرب بالوكاله كما هو حادث على الأراضي الليبية وقد تتحول الحرب بالوكالة إلى صدام عسكري مباشر بين الجيشين على الاراضي الليبيه إذا أخطأت تركيا الحسابات والتقديرات واستمرت في دعمها لحكومه الوفاق وسيطرت القوات الاردوغانية والسراجية علي سرت والجفره وتوغلت في الشرق الليبي بالقرب من الحدود المصرية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه :فما هي اسباب الصدام بين البلدين بالاساس؟

ألإجابه كثيرة جدا !
لكن نستطيع أن نلخصها في الاتي:
نحن أمام بلدين لهما رؤى مختلفه و تعارضاً كبيراً في هذا الاقليم من العالم ، تركيا تريد باختصار من وجهه نظرها أن تتوسع في الإقليم لكي تحمي مصالحها و أمنها القومي لأن الظروف الدوليه والإقليمية تسمح لها بالتوسع ، وهناك عاملين اساسيين يعتبران ألمحركان للسياسه الخارجيه التركيه .
العامل الاول : وهو السحاب امريكا من المنطقه ومن كثير من ساحات العالم. العامل الثاني : نتائج الربيع العربي ألذي أدى إلى تدمير واضعاف كثير من الدول العربيه .

هذان العاملان بالإضافه إلى إعتبارات أخرى محليه ، وهذه الإعتبارات منها ان تركيا ترى أن ألوقت مناسب لكي تتبع سياسات توسعية فهي ترى أن تدخلها يحمي أمنها القومي ، ولكي لا نطيل في الكلام النظري علي حضراتكم , فمثلا الأتراك الأن يتبعون استراتيجية اسمها “الوطن الازرق” وخلاصتها أن تركيا يجب أن يكون لها السيطره على البحار القريبة منها والبحار القريبه من البحار ألقريبه منها .. فما معنى ذلك ؟!

تعتقد تركيا ان عدد سكانها ألذي تجاوز ال 80 مليون وهي دوله مستورد صافي للطاقه سواء( بترول وغاز) ولا تستطيع أن تمارس أي نشاط إقتصادي بدون إستيراد للغاز والبترول مثل كثير من الدول ألكبرى ، فهي تعتقد أنها بهذه السياسات تؤمن امنها القومى ، ويجب ان تسيطر اساطيرها العسكريه والبحريه على البحر المتوسط وبالتحديد علي شرق البحر المتوسط وبحر ايجه الذي هو إمتداد للبحر المتوسط والبحر الاحمر وهناك مرحله اخرى تسعى اليها تركيا للسيطره عليها مثل الخليج العربي وبحر قزوين الخ..

فلذلك تركيا تنتهج سياسه توسعية ومن خلال فهم هذه السياسة ستُوضح لنا اجابات عديده على أسئلة مثل
لماذا تتحرك تركيا في المنطقه والاقليم وعن ماذا تسعي وتريد ؟

فكثير من اهدافها يُفسَّر من خلال فهم طبيعه السياسه الخارجيه التركيه ، فهي تسعى لأن يكون لها عدد اكبر من القواعد العسكريه ومثال على ذلك سعيها إلي لبناء قاعده عسكريه على البحر الاحمر وفي جزيره سواكن في السودان والتواجد في ليبيا وبناء قواعد عسكريه على الساحل الليبي وأيضا بناء قواعد عسكريه في قاره إفريقيا ويظهر ذلك بشده في دول القرن الافريقي خاصه مع الصومال واثيوبيا الخ ..، ويفسر ذلك ايضا علاقتها بقطر و منطقه الخليج وسر إبرام إتفاقيه الدفاع المشترك مع الكويت .
كل ذلك من اجل التواجد في منطقه البحار حتى تضمن وصول البترول اليها بسهولة وان تمر سفنها ذهاباً وإياباً بسهولة ويسر.

فمن أجل ذلك فهي مقتنعة أنها لابد أن تكون موجوده بأساطيلها البحرية من خلال قواعد عسكرية موجودة في هذه البلدان .

هذه السياسة بهذه الأهداف تتصادم كليا مع سياسات الدولة المصريه وطبعا بأكثر من دوله أخرى ، لأنه في المقابل الظروف الدوليه بالنسبه لمصر تفرض عليها إستراتيجيه مختلفه نستطيع أن نسميها ” الخمول الاستراتيجي ”
فمصر من بعد الربيع العربي وجدت نفسها أمام متغيرات خطيرة جدا ..

المتغير الأول: وهو متغير مشترك مع معظم الدول في المنطقة وهو الإنسحاب الأمريكي من المنطقة والذي يتسبب في كثير من الفوضى لأن أمريكا في هذه المنطقه تمثل شرطي المنطقه ، ولذلك فهناك دول كثيره تسعى للتوسع على حساب الغياب الامريكي مثلا ايران وتركيا وروسيا واسرائيل ودول اخرى..

الأمر الثاني : أن نتائج الربيع العربي رأتها تركيا فرصة أما بالنسبة لمصر فهي تحدي لأن كل الدول المجاوره لمصر والتي حدثت بها ثورات منهاره ومتقطعة الأن وهذا هو وهذا بالفعل ينتقص من قوه النظام المصري مثل انهيار الجيش السوري وانهيار اليمن والصراع الدائر في ليبيا والتغيرات الخطيره جدا في السودان ، فسنجد أن الدوله المصريه اصبحت مهدده من كل حدودها ..

فمن الجنوب
هناك مشكله كبيره جدا نتيجة لأكثر من متغير
المتغير الاول : نتيجه خلافات مصر مع اثيوبيا في ملف مهم جدا وهو ملف المياه وأضف إلى ذلك أن الدوله المجاوره لها وهي السودان ليست في حاله جيده نتيجه للأوضاع السيئة الموجودة الأن بعد رحيل عمر البشير وبالتالي هذا يضع عاتق كبير جدا على النظام المصري والدولة المصريه لتأمين حدودها من الجنوب..

من الشرق
سنجد أن منطقة البحر الأحمر ملتهبه جداً فهي ساحة للصراع الإقليمي والدولي بين كثير من الأطراف خصوصا بعد انهيار اليمن لانها تتحكم في مضيق باب المندب ألذي يعتبر المدخل الاساسي لقناة السويس وإذا ذهبنا الى الشمال الشرقي فسجد ايضا أن هناك انهيار ايضا في الدوله السوريه التي باتت شبه مقسمه تقريبا وإذا أخذنا باقي الشرق فسنجد العدو التقليدي لمصر وهو إسرائيل و بقطع النظر عن أى اتفاقات سلام أو أي سلام بارد معها ، فصانع القرار السياسي في مصر يدرك أن إسرائيل كانت وسوف تظل خطرا على مصر ويدرك أيضا أن كل العمليات الإرهابيه في سيناء والانفلات الامني تقف خلفه عدة اطراف دوليه وإسرائيل أحد هذه الاطراف التي تتسبب في الفوضى الموجودة داخل سيناء لانها المستفيد الأول منها لإضعاف سيطرة مصر عليها، فسيناء وببساطة كانت وستظل جزء من تصفيه القضية الفلسطينية لانها تريد ترحيل أهل فلسطين إلى سيناء لذلك فمن مصلحتها أن تكون سيناء دائما أرض بلا صاحب.

من الشمال
‏سنجد البحر المتوسط وخاصة منطقة شرق البحر المتوسط الذي ظهرت به كثير من ثروات الغاز وقبل ذلك كان ساحه مهمه جدا وكأحد أهم الحدود المصريه وخاصه الأن بعدما أصبح مملوء بالصراعات ليس بين مصر وتركيا فقط ولكن بين كل دول شرق المتوسط ألتي تتصارع على الغاز ، وللدقة هناك صراعات بين تركيا وباقي دول البحر المتوسط و هناك صراعات أخرى كمثل الصراع الموجود بين لبنان وإسرائيل لكن ليس بنفس وزن الصراع التركي أمام دول شرق المتوسط كافه..

وإذا نظرنا إلى الحدود الغربيه
سنجد حدود طولها 1200 كيلو متر مع ليبيا ، فلذلك فإن علي الدولة المصرية حمايه حدودها الطويله جدا بعد انهيار الدوله الليبيه .

من اجل كل هذه الأسباب فإن مصر تعتقد بعدما أصبح إقتصادها في وضع سئ وحدودها مهددة أن أفضل سياسه تتبعها هي سياسة الخمول والبقاء خلف حدودها وألا تخطوا خارج حدودها عسكريا إلا للضرورة القصوى .

هذا عن الاوضاع المصريه والاستراتيجيه المصريه..

أود أن أقول إأن البلدين لديهم أيدلوجية مختلفة وجبهات متعارضه ومصالح متصادمة !
كيف ذلك ؟
فالدوله التركيه التي ترى انها يجب التوسع خارج حدودها عسكريا بالقوة الخشنه ومن جانب آخر بالقوة الناعمة من خلال دعمها إلى جماعات الإسلام السياسي سواء كانت مسلحه أو غير مسلحه ، سلمية أو غير سلميه كما راينا في سوريا وليبيا ، وكل ذلك يمثل خطر على مصر ، في المقابل النظام القائم الان في الدوله المصريه منذ عام 2014 وحتى الان هو قائم على إستهداف جماعات الإسلام السياسي ويعتقد أنها تمثل خطراً على الأمن القومي المصري و تُمثل خطرا على شرعيه النظام الموجود والرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه لأن هذه الجماعات تعتبر النظام المصري إنقلابي و انقلب على الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي وهي نفس الرؤية التي تتبناها تركيا الداعمة لهذه الجامعات…

إذن فنحن أمام أهداف مختلفة واستراتيجية مختلفه و أيدلوجية مختلفه وأضف إلى ذلك العوامل الداخلية التي من الممكن أن نتحدث عنها كثيرا جدا.

فالظروف الداخلية لتركيا كبيره جدا و تختلف عن الظروف الداخليه لمصر فبإختصار شديد جدا إن أردوغان ألذي بقي في السلطه قرابه ال 20 عام يريد أن يظل فيها ،وأن أحد وسائله للاستمرار في السلطه مسانده قاعدته الانتخابيه الضخمه له إما بالاسلام السياسي وإما بالعثمانية الجديدة وكلاهما رغم اختلاف الفكرتين يدعمان فكره التوسع الخارجي وبالتالي التوسع في ليبيا و شرق البحر المتوسط و مغامراتة في المنطقه ستجعل منه بطل قومي.
وبالتالي حتى وان لم يعُد ذلك علي تركيا بالكثير لكنَّ ذلك سيعزز وضعهُ
وزعامته داخل تركيا وبالتالي لأسباب انتخابيه ورغبته فى التواجد في السلطه فهو المستفيد من هذه السياسات التوسعيه…

في المقابل نحن هنا في مصر في بلد يعاني من إلتهابات شديده وإجتهادات عنيفه نتيجه إضطرابات سياسيه متعاقبه منذ عام 2011 وإلى الأن كما ان الوضع الاقتصادي صعب جدا في بلد يعاني من نتائج الاصلاح الاقتصادي ، ولذلك فإن مصر لا تريدُ الدخول في مخاطرات ومغامراتٍ أمام دولةِ تعتقد أن هذا الوقت هو وقت المغامرات والمهاترات والحروب..

النتيجه نحن امام نقاط تماس بين دولتين تقترب كل يوم بشكل خطير جدا ،فالسياسة التركية تتبع أسلوب من أساليب العلاقات الدوليه يسمى “لعبه الدجاج” وهذا الأسلوب باختصار “أن تقوم دوله ما عندما تتعامل مع خصومها تقوم بفرض خطوات خطيره جدا عليهم لإستفزازهم ، لكي تضعهم أمام خيارين إما القبول بالأمر الواقع وإيثار السلامة والامر الثاني وإما أن ترد وبالتالي تخاطر هذه الدول بانفجار حرب وتكون النتائج وخيمه جدا ..

وكما رأينا أن أردوغان فعل ذلك في شرق البحر المتوسط بشكل واضح عندما قرر إفساد حفل البحر المتوسط على الجميع وقال بأعلى صوته أنني لا أعترف بترسيم الحدود بين كل دول المنطقه ” اليونان و قبرص و مصر و لبنان وإسرائيل ” وقام بترسيم الحدود مع ليبيا بشكل مخالف جدا عن ترسيم الحدود بين مصر وقبرص واليونان..

وبالتالي فهو وضع دول المنطقه أمام خيارين إما القبول بالوضع الراهن او اللجوء للتحكيم الدولي وهو امر يطول لسنوات ، وأما الامر الثاني وهو التصادم العسكري ووقتها ستكون النتائج وخيمه جدا على الجميع .
وكذلك فعل نفس القصة في ليبيا بعد ما قرر الدفع بجنوده واسلحته بشكل متزايد في ليبيا ووضع الدول الاخرى أمام خيارين الخيار الاول ام التراجع والخيار الثاني اما الصدام وبالتالي ستكون العواقب سيئة جدا وخطيره..

ودعوني أن أوضح لكم أن مشكله لعبة الدجاج أنها قد تاتي بنتائج كبيره جداً للطرف المخاطر والطرف الاقوى إذا خدمته الظروف ، لكن في المقابل هي لعبه فيها كثير من المغامرة والمقامرة لأن الطرف المغامر قد يُخطئ الحسابات ويفاجئ برد فعل عنيف من الطرف الأخر وقد يكون سبب في إندلاع حرب كبري هو لم يخطط لها ولا يتمناها وليس على استعداد على التعامل معها وهذا قد يحدث في أي وقت سواء في البحر المتوسط أو في ليبيا وخاصةً أن ليبيا هي الساحه الأسخن ، وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب وعندها لن تكون بين تركيا ومصر فقط بل ستكون بين تركيا وحدها وباقي الدول لأنها بلا حلفاء مضمونين اللهم إلا قطر و حكومه فايز السراج و جماعه الاخوان المسلمين واذربيجان ، مقابل مصر التي لها حلفاء مضمونين مثل السعوديه والامارات والاردن والسودان ودول اخرى من خارج الاقليم مثل روسيا وفرنسا والمانيا وقد تضاف دول اخرى الى المعسكرين لديهم استعداد علي دقع المليارات لتدمير تركيا..

في النهاية اقول أن الحرب إذا حدثت لا قدر الله سوف تجُر أطراف كثيرا جداً إليها وقد تبدو المسألة غير واردة لكن الكثير من الحروب كما علمنا التاريخُ لم تكُن ممكنةُ ولا محتملة ولكنها فاجئت العالم بما لم يتوقعه..

حفظ الله مصر وكل العالم من الشرور والفتن ..

بقلم الكاتب محمد الصياد

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق