الأدب و الأدباء

قصة الاسبوع”حادثة الكلبة”

تأليف:وحيد القرشي 
في ساعة متأخرة من الليل ,أيقظتني زوجتي وأخبرتني بوفاة حسام ابن صديقي سعد,والذي يبلغ من العمر الثامنة عشرة من عمره ,صدمت من سماع الخبر ,وهلعت مسرعا نحو هاتفي المحمول ,وحاولت الاتصال به مرارا وتكرارا ولكن دون جدوي,فهاتفه المحمول كان مغلق طوال الوقت ,جلست علي سريري وقد فارقني النوم ,وبقيت مستيقظا جالسا افكر فيما حدث,وفي الصباح ركبت سيارتي ,لاذهب لصديقي سعد واقف بجواره واسانده وقت محنته وشدته ,كنت اعلم جيدا مدي حبه وتعلقه بأبنه حسام والذي كان لا يفارقه طيلة يومه ,لقد كان يأخذه معه في كثير من جلسات التعارف مع رجال الاعمال ,وأثناء قيادتي السيارة ,اتصل بي صديقي عمران .
-انت فين يا حسين ,حسام ابن سعد توفي ,والبقاء لله
-علمت ذلك في وقت متاخر من الليل ,انا لله وانا اليه راجعون ,انا في طريقي لفيلا سعد “انت فين يا عمران”
-لا ما تروحش الفيلا ,وغير اتجاهك لسوهاج ,سعد هيدفن ابنه في مدافن العائلة في سوهاج .
– متأكد من كدا
– لسة متصل بأخوه جابر في سوهاج ,وقلي كدا ,وانا في طريقي لهناك ومعاية مجموعة من الزملاء والاصدقاء .
-خلي بالك من نفسك واشوفك هناك علي خير , ان شاء الله
جلست بعض الوقت في كافتيريا علي الطريق ,وأخذت برشامة الضغط ,وبعدها بدقائق معدودة أخذت وجبة الافطار ,وكوبا من الشاي ,لان المسافة طويلة ومؤلمة في نفس الوقت ,وحتي أستطيع قيادة السيارة ,وأتمالك أعصابي وقدرتي علي القيادة ,وهذا حال الدنيا ,وقدر الله نافذ لا محالة منه ,وعلينا الرضا بما قسمه الله لنا ,ثم توكلت علي الله ,قاصدا طريقي لسوهاج داعيا ان اصل بسلامة وان يريح الله قلب سعد علي فراق ابنه الوحيد ,وكان ينتابني سؤال بين الحين والاخر,وقد نسيت ان اسال صديقي عمران من كثرة التفكير والارتباك ,معرفة كيف توفي حسام ابن الثامنة عشرة من عمره ,لم يعاني من مرض من قبل ,وكان شابا يافعا قوي البنية ,وسيم وطيب ومحبوب من الجميع ,ولكن القدر ,يعلمنا كيف نستجيب ونرضخ له , ما علينا سوي الرضا بالقضاء والقدر,وبعد ساعات طويلة وشاقة من السفر,وصلت سوهاج,في الساعة الثانية ظهرا,وجدت سرادق العزاء وبه الكثير من الناس ,وجدت سيارات علي جانبي الطريق ,فصديقي سعد كان محبوبا من الجميع وله معارف كثر و في كل مكان بحكم شغله ,دخلت سرادق العزاء,وجدت معظم اصدقائي واقارب سعد وعائلته, واقفون لأستقبال المعزين لهم ,ووقفت بجوارهم ,بعد ان قدمت العزاء لصديقي سعد ,ومواساته في ابنه ,فقد كانت حالته لا تسر ,أثر البكاء كان واضحا في عيناه ,وعدم النوم أرهق جسده ,ووجه بدء مشحوبا بعلامات الحزن والالم من فراق ابنه الوحيد,هذا حكم الله وقدره,وكل شئ عنده خير ,لا نعلمه ,وبقينا علي هذه الحالة نستقبل المعزين في سرادق العزاء للساعة الثانية والنصف فجرا ,وفي نهاية اليوم الاول من العزاء ,قام أحد اقارب سعد بأصطحابي ومعي أصدقائي وزملاء سعد ,لبيت العائلة ,للراحة والنوم,وقد اجبرونا علي الاكل ,في وقت متأخرمن الليل,واكلت علي قدر استطاعتي ولكني كنت دائم التفكير في سعد ,فحالته لا تسر عدو ولا حبيب,كان متأثرا جدا بموت أبنه ,وقد قررت البقاء مع سعد ,ولا اتركه لوحده في هذه الحالة ,وبعد ساعتين أخذني احد اقارب سعد لحجرة نومي ,وقمت بأخذ حمام ,وجلست بعض الوقت علي سريري ,اتذكرحال الدنيا,وفجأة سمعت احد يطرق باب حجرتي ,ففتحت الباب ووجدته صديقي سعد .
– ما سافرتش ليه يا فؤاد ,ولادك وبيتك محتاجينك .
– اسافر ازاي واسيبك بالحالة ديها ,البقاء لله وشد حيالك يا سعد ,دا شئ كاتبه ربنا وانت مؤمن بكدا ,وربنا يرحمه ويبارك فيك ,وفي مراتك ,وشد حيالك يا حبيبي.
لم يتمالك سعد هذه الكلمات المؤثرة ,وانهار بالبكاء ,فقمت باحتضانه ,وأجلسته علي كرسي كان بجواري ,وطلبت منه التماسك والهدوء والصبر,وان نطلب وندعو الله ان يرحمه ويرحم موتانا اجمعين.
– يا فؤاد ,انت قريب مني وفي معزة اخي ,وتعرف مدي حبي وتعلقي بابني حسام ,وانا كنت السبب في ضياعه , السبب في كل ما حدث ,ربنا بينتقم مني وبيعاقبني علي فعلتي واستهتاري في مرحلة شبابي 
-خلي ايمانك بربنا كبير يا سعد ,وانتقام اية يا حبيبي,وعملت اية ,ولية بتقول كدا
-كنت دائما اخرج بسيارتي لمكان معروف في الجبل ,مع أصدقائي ,وكنا نقوم بعمل مسابقات اسبوعية للتنافس ,وللعب وللهو ,وكانت معظم ايامنا بهذه الطريقة ,وفي يوم من الايام وأثناء رجوعي من السباق,وجدت كلبة علي الطريق ومعها صغارها ,فجأتني فكرة أن أصدمها لسماع صراخها ونباحها ,وصراخ صغارها من الكلاب,فقمت بفعل ذلك وصطدمتها بسيارتي وكررت ذلك الفعل اكثر مرارا وتكرار,وكانت تتالم وتنزف دما ,حتي ماتت بهذه الحالة ,وكنت مستمتع بصراخها وصراخ صغارها ونباحهم ,ورأيت صغارها يلتفون حولها امام عيني لانقاذها ,هذا المنظر والمشهد القاسي لم يؤثر في مشاعري ولم يحرك عاطفتي نحوها ,وكل اهتمامي كان منصبا علي سماع صراخهم ونباحهم والاستمتاع بذلك.
وقد فشلت في دراستي وتركت تعليمي ,ولو لا مال والدي لأصبحت مرميا في الشوارع باحثا عن لقمة العيش ,وقابلت الكثير من العسرات والصدمات في حياتي,وانت تعرف ذلك جيدا وقد حضرت وعايشت معي الكثير من ذلك ,وكنت اتحمل واتحامل لاخرج من كل عسرة وأذمة ومرحلة باقل الخسائر ,ولم يخطر في بالي اطلاقا في يوما من الايام حادثة الكلبة وصغارها ,وفعلتي معها ,وانت تعلم جيدا مدي ارتباط حسام بي ,وتعلم انني كنت دائما أشاركه في كثير من اعمالي واجتماعاتي ,وفي يوم الحادثة ,كنت استخرج بعض الاوارق من الشهر العقاري ,وطلبت من حسام ان يتجاوزالطريق للشارع الاخر ليصور لي بعض الاوراق ,ونزلت من سيارتي ونظرت في الشارع في الجانبين ووجدت الطريق فارغا من المارة والسيارات ,واطمئننت,وطلبت من حسام الذهاب لتصوير الاوراق,واثناء مروره بالشارع,وفي منتصف الطريق بالتحديد ,جأت سيارة مسرعة ,ولا اعلم من اين أتت ,وأصطدمت بحسام ومات في حينه ,فأسرعت اليه ,وكلما انظر اليه أجد الكلبة وصغارها امامي وفي كل مكان حولي,حتي جننت ,وتخيلت ان حادثة الكلبة حدثت اليوم ,ولم اتمالك اعصابي ,ذهبت بابني للمستشفي ولكن دون جدوي ,فقد فارقت روحه الحياة ,والشئ الذي ألمني كثيرا ,ان الله قد اخذ حق الكلبة وصغارها في ابني ,ولو كنت اعلم ذلك ,ما كنت فعلت بها ما حدث,وكنت اتمني ان يعاقبني الله في نفسي وفي شئ اخر غير ابني الوحيد ,وحادثة الكلبة والتي اصبحت معي وتلازمني كل اوقاتي ,علمتني العبرة ودرسا قاسيا من دروس الحياة ,ومن لا يرحم لا يرحم ,والله قادر علي رد الظلم ولو بعد حين ,تلك حكايتي مع الكلبة وصغارها وما حدث لابني حسام .
– انا لله وانا اليه راجعون ,الله غفور رحيم , يا سعد هذا قدر الله وقضائه ,ولا بد ان ترضي بذلك ,وكل ما عليك ان تقدم الكثير من اعمال الخير لك ولأبنك حتي يغفر ويعفو الله عنك ,انه غفور رحيم.
طلبت من صديقي سعد الصبر وان يذهب لينام ,فاليوم كان شاقا ومؤلما وما زال امامه ايام اخري لاستقبال المعزين له ,ونمت ولكن دون نوم ,فقد كنت مغمض العينين فقط,وكنت افكر في حادثة الكلبة وما جري لصديقي سعد من فعلته,وبعد ثلاثة ايام ودعت صديقي ,ورجعت لبيتي ,وكنت دائم الاتصال به للاطمئنان عليه ,وقد قمت بزيارته اكثر من مرة ,وبعد شهرين تقريبا,علمت ان سعد ذهب ليؤدي فريضة العمرة له ولأبنه حسام,وبعد رجوعه من العمرة ,سالت عليه في مكتبه ,فلم أجده ,فحاولت الاتصال به فلم يرد ,وكان هاتفه دائما مغلق,قررت الذهاب لفيلاته لمعرفة ما به والاطمئنان عليه,وعندما وصلت ,اخذني الخادم وادخلني حجرة سعد ,فقد اتخذ حجرة في بيته خاصة به وجعلها للصلاة والعبادة وقراءة القران والتسبيح والتهليل والتكبير والحمد وذكر الله,يمكث فيها معظم اوقاته ,وقد علمت منه,انه كلف احد موظفيه ان يقوم بدوره ويباشر كل اعماله ,علي ان يقوم باخباره بكل ما يحدث يوميا ,وهو قد تفرغ للعبادة والصلاة,والتقرب الي الله,خوفا من عقابه,واملا ان يغفر له ويعفوعنه ,وعن ما ارتكبه من ذنب ويغفر حادثة الكلبة وصغارها ,وحبا لله وتقربا منه انه نعم المولي ونعم الوكيل ,فقد بلغ من العمر السادسة والخمسين عاما,ويريد ان يقابل ربه بقلب سليم خالي من الذنوب والعيوب ,وبعد سماعي لكلمات صديقي سعد ,والتي ابهجت قلبي,سبحان الله الذي يغير كل شئ بمقدار وحكمة ,فحادثة الكلبة رغم فجاعتها ,الا انها غيرت الكثير في سلوك وشخصية سعد ,واوجدت منه رجلا صالحا تقيا نقيا يسعي وبكل جهد وقوة وايمان لفعل الخير والتقرب لله,والدنيا تعلمنا الدروس والعبر ,وكل ما علينا ان نتعلم منها ونعتبر وهذا حال الكثير من البشر.

كل يوم يمر علي سعد يفعل الخير ويتصدق من أجل أبنه واملا في مغفرة ربه ,لم يبخل عن أحد ,كل من يطلب منه شئ كان يفعله بسخاء ورضا ,أصبح معروف بين الناس بالرجل الطيب الصالح ,كان يقدم الخير ولا ينتظر مقابل له ,أصبح صادقا مع نفسه ومع ربه ,همه الاول والاخير رضي ربه والقرب منه ,لم يترك مناسبة وقدم الخير فيها ,ساعد الفقراء والمرضي بكل ما يملك ,أصبح محبوبا من الجميع ,حتي ان الكثير من الناس طلبوا منه ان يترشح لمجلس الشعب ,وكان يرفض لان ما يفعله لوجه الله فقط .
وتمر السنين والسنين ,ويأتي رمضان ورمضان ورمضان ,ومائدة الرحمن ,التي أقامها سعد من اجل الجميع ,تمتلئ كل يوم بالناس ومن كل مكان ,فقد كان دائم الحضور والافطار وسط الناس ,حبا لهم واحتراما لهم ,فالجميع قد أحبوه,وكانوا يدعون له ولابنه حسام دائما,ومن كثرة الحديث عنه ,الجميع قد علم بحادثة وفاة ابنه الوحيد حسام ,وفعلته وما أقترفه من ذنب في حق الكلبة وصغارها ,وكانوا يدعون له بالمغفرة ,سبحان من يغير ولا يتغير ,لقد تغير سعد مائة بالمائة ,الرجل ذو الشخصية القوية المتسلط دائما ,والذي يقضي معظم أوقاته في السهر والاستمتاع بالحياة ,تغير واصبح تقيا عابدا لربه وطيب القلب وحنون ,يقضي معظم وقته في العبادة والصلاة ,والسبحة لم تفارق يده طيلة يومه ,كرث كل حياته ووقته في مساعدة الفقراء والمرضي والمحتاجين ,وفاة ابنه حسام وتذكره لحادثة الكلبة وصغارها غيرت مجر حياته ولكنه للأحسن والافضل .

وفي يوم من الايام وفي شهر رمضان بالتحديد ,وقت أنتظار مدفع الافطار ,وجلوس الناس علي مائدة الرحمن لأخذ وجبة الافطار ,كانوا يتحدثون عن الرجل الطيب سعد ,واعماله الخيرية ,وحبه للخير وللاخرين ,وأثناء حديثهم تطرقوا لحادثة وفاة ابنه حسام ,وحادثة الكلبة وصغارها ,وكان وسط الجالسين رجل مسن ,شعره ابيض,وظهرت عليه علامات الشيخوخة الواضحة ,كان ينظر بترقب ويستمع بصمت وأنصات لحديث الناس عن سعد ,وما حدث معه ,وبعد الانتهاء من وجبة الافطار ,طلب من احد الجالسين الحديث معه .
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,عاوز اتكلم معاك في موضوع مهم
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,أتفضل ,موضوع اية ,خير ان شاء الله 
-خير ان شاء الله,ممكن نقعد في قهوة ونشرب كوبتين شاي ,ونتكلم في موضوعنا .
-حاضر,يلا بينا
يجلس الرجلين علي تربيزة بداخل القهوة ويطلب الرجل المسن كوبين من الشاي ,ثم يبدء حديثه .
-سمعتك وسمعت الكثير يتحدثون عن الرجل الطيب سعد ,وعن حادثة وفاة ابنه حسام,وحادثة الكلبة وصغارها ,أريد معرفة الكثير عن هذا الرجل ,وما هي حادثة الكلبة ,والتي غيرت حياته وجعلت منه رجل متدين وصالح
-كل ما أذكره لك ,سمعته من ناس اخرين ,يقولون ان سعد كان في شبابه يتسابق في مكان بالجبل مع أصدقائه ,واثناء عودته للبيت ,وجد كلبة وصغارها علي الطريق ,أراد ان يسمع صراخها ونباحها ونباح أبنائها الصغار ,فقام بأصطدامها بسيارته وكرر ذلك أكثر من مرة حتي ماتت الكلبة ,ولم يتأثر بفعلته هذه ,وكان همه الاستمتاع بصراخها ونباحها فقط.
-متي حدثت هذه الواقعة
-منذ اكثر من خمسة وعشرون عاما مضت 
-وحتي الان يتذكر هذه الواقعة وماحدث 
-الذي أثر فيه وجعله يتذكرها ,انه في يوم من الايام ذهب لاستخراج اوراق من الشهر العقاري ,وقد اصطحب معه ابنه حسام فقد كان معتادا علي ذلك ,وكان يذهب مع ابيه في كل مكان ,وقد طلب منه والده ان يتجاوز الرصيف للشارع الاخر لتصوير بعض الاوراق ,واثناء مروره صدمته سيارة ,وتوفي في الحال,وقد تذكر سعد حادثة الكلبة وما فعله بها وصغارها ,وان ما حدث لأبنه’كان أنتقام من الله له ,ورد حق وظلم الكلبة وصغارها ,ومنذ تلك الواقعة ووفاة ابنه حسام بهذه الطريقة ,تغير سعد واصبح الرجل الطيب صاحب الخير ومساعدة كل الناس من الفقراء والمحتاجين والمرضي
– اين يسكن هذا الرجل
-في الشارع الخلفي لمائدة الرحمن وهو رجل معروف للجميع ولديه اكثر من شركة وفي اكثر من مكان
شكرا لك ,وأتمنا من الله ان يرزقك الصحة والعافية 
-لا داعي للشكر ,لانني لم افعل شئ ,ولكن سؤالي لك ,ماذا تريد من هذا الرجل ,وما مدي اصرارك علي معرفة كل شئ عنه .
-لا اريد شئ,الذي استطيع ان اذكره لك ,اني اتمنا له الخير وان يظهر الله حقا ,وان يغفر الله له ولنا 
-ربنا يعينك علي فعل الخير وأظهار الحق
رجع الرجل المسن الي بيته,توضأ وصلي العشاء ,ثم أستلقي علي ظهره ,وأخذه التفكير لساعات طويلة ,ثم قرر ان يذهب لمقابلة سعد ,فلديه خبر مهم لا بد ان يخبره به ,هذا الخبر قد يحدث تغيرا في تفكير الرجل الطيب سعد ,وقد يخرجه من حالة الغم والحزن ,وفي الصباح خرج الرجل من بيته ,وذهب لفيلا سعد لمقابلته ليخبره بأمر ما ,وعندما وصل دق جرس الفيلا فخرج له البواب ,وطلب منه الرجل المسن مقابلة الحاج سعد ,وقد ذهب البواب بضع دقائق ,ثم رجع وأصطحب معه الرجل المسن لحجرة سعد .
السلام عليكم ,اخبارك اية يا حاج سعد 
-بخير يا حاج ,كل عام وانت بخير وجميع المسلمين يارب ,خير ان شاء الله 
-خير ان شاء الله ,عاوز اتكلم معاك في موضوع مهم جدا
– أتفضل ,خد راحتك 
-كنت أجلس علي مائدة الرحمن لأخذ وجبة الافطار ,وسمعت الناس يتحدثون عن كرمك ومساعدتك للجميع ,وسمعت منهم ايضا ,حادثة وفاة ابنك حسام ,وحادثة الكلية ,واريد ان أخبرك بأمر هام عن حادثة الكلبة 
-امر هام ,انت عارف , ان حادثة الكلبة ,منذ اكثر من خمسة وعشرون عاما مضت ,ولكن اتفضل ,كلي اذان صاغية 
– في يوم الحادثة ,كنت تركب سيارة جيب لونها اسود 
– فعلا ,وكيف عرفت ذلك 
-لقد شاهدت كل ما حدث مع الكلبة وصغارها
-كيف ذلك ,لانني لم أري احد في ذلك الوقت في هذا المكان 
-كنت مختبئ ,حتي لا يرأني أحد ,وسوف أحكي لك حكايتي مع الكلبة 
-أتفضل
-أنا صاحب الكلبة التي ماتت علي يدك ,فانت قد رحمتها بفعلتك .
-رحمتها ,كيف ذلك
-الكلبة كانت تعاني من مرض سرطاني خبيث ,وذهبت بها لكثير من الاطباء البيطريين ,ولكن دون جدوي ,وعندما انتشر السرطان في جسدها ,طلب مني اكثر من طبيب التخلص منها,خوفا ان تضر من حولها وتصيبهم بالمرض,وان موتها رحمة لها ,وقد ذهبت بها اكثر من مرة لمكان بعيد في الجبل ,وكنت أتركها وأبنائها في هذا المكان ,وكانت ترجع لي مرة اخري ,فقررت ان اتركها علي هذا الطريق السريع والبعيد عن المدينه بالاف الامتار ,وتمنيت من الله ان تصطدمها سيارة ,رحمة بها,فكنت انت وما فعلته بها ,وعندما سمعت من الناس انك تعيش في الم وحزن واحساس بالذنب بما فعلته مع الكلبة ,فقررت ان اقابلك واخبرك بحقيقة الأمر 
– انا مش مصدق نفسي ,هل فعلا هذه هي الحقيقة 
-فعلا ,وانت بفعلتك هذه قد رحمتها من الالم والمرض السرطاني والذي انتشر في معظم جسدها 
– سبحانك يارب ,واشكر الله رب العالمين ,لان هذه الواقعة قد غيرت حياتي وجعلت مني رجلا صالحا بارا محبا للخير ,والحمد لله علي ما كان ,والله غفور رحيم 
بعد هذه الكلمات السارة المفاجئة ,والتي أسعدت قلب سعد ,فقد كان يحمل علي عاتقه ذنب لم يرتكبه وما فعله كان قدر الله وأرادته ,وكان فيه الخير والرحمة
أستلقي علي ظهره ,ورفع نظره لسقف حجرته ,وأخذه التفكير فيما حدث,وخطر بباله وتذكر يوم وفاة ابنه حسام امام عينيه ,وتذكر الواقعة كما هي ,وكانها حدثت في حينه,حمد الله علي قدره وقضائه ,فالواقعة لم تتمكن النيابة واجهزة البحث الجنائي من الوصول لمرتكب الجريمة والسيارة التي صدمت حسام وادت لوفاته ,وحفظ المحضر لعدم وجود شهود وادلة ومرتكب للحادث,واكنها وحي من الخيال ,ووسط حالة التفكير العميقة ,والتي امتلكت سعد ,تدخل عليه زوجته لتخبره بامر ما 
-أتصلت بمرأت اخوك جابر في البلد ,للأطمئنان عليهم ,وأخبرتني بوجود خلاف بين جابر و أحد شركائه 
– خير ان شاء الله ,وخلاف اية ومع مين يا تري 
-ما أعرفش حاجة عن الموضوع ,وياريت تسافر بكرة وتعرف الحكاية وتحاول تصلح الامور ,انت عارف جابر دائما متسرع في قرارته وبيغضب ويتعصب بسرعة 
-ان شاء الله ,ما تيجي تسافري معايه ونقعد يومين في البلد.
-حاضر ,اقوم اجهز الشنطة ,ونتوكل علي الله في الصبح.
يستيقظ سعد وزوجته مبكرا,ويركب سيارته متجها الي قريته بسوهاج ,وبعد ساعة تقريبا توقف سعد في كافتريا علي الطريق,ونزل هو وزوجته لأخذ وجبة الافطار,وقد ظهر عليه علامات الحزن وأمتلئت عيناه بالدموع والحسرة والالم 
-خير يا سعد عنيك مليانة دموع 
-خير يا ام حسام ,كنت بقعد انا والمرحوم حسام ,في نفس المكان دا في الكافتريا ,لما كنا بنسافر ونعمل مقابلات مع العملاء والشركاء لينا 
-ربنا يرحمه ويبارك لينا فيك يارب
يركب سعد وزوجته السيارة ,وما زال حديثهم مستمر عن حسام وأيامه ,حسام ابنهم الوحيد والذي جاء بعد فترة طويلة من زواجهم والعمر قد انتهي ولم ينجبوا له اخا ,ولم يتزوج حسام ابن الثامنة عشرة من عمره ومات في ريعان شبابه وارادة الله وقدره فوق كل شئ وفي الساعة الثانية ظهرا يصل سعد وزوجته الي قريته ,ويجد اخوه جابر جالسا علي دكة في مدخل البيت ويجلس بجواره احد اقاربه وامامه شيشة ,فهو مدمن لها .
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,كيف الحال يا جابر
-خير يا حاج,الف حمد لله علي سلامتك يا اخويه ,اتفضلي يا مرات اخويا
– هندخل نسلم علي مراتك والولاد يا جابر,ونرتاح شوية في بيتنا,من زمن ما روحناش فيه
-اقعد شوية يا سعد,لما حد يروح يفتحه,البت نعيمة كل اسبوع بتروح تنضفه وتفتحه شوية
-حاضر يا جابر,طمني عليك,واحوالك واحوال البلد
-بخير الحمدلله,كله تمام
-انا عرفت من مراتك ان فيه خلافات بينك وبين احد شركائك وانا جاي بخصوص الموضوع دا,وكمان اقعد معاكم يومين,البلد وناسها وحشوني
-في الليل يا اخويا ,وبعد ما ترتاح شوية ,نقعد واحكي ليك علي كل حاجة 
-حاضر يا جابر ,وخير ان شاء الله 
-اقوم انا وام حسام,نرتاح شوية من تعب السفر
-اتفضل يا اخويا ,خد راحتك عقبال ما يحضروا الغدا
يذهب سعد وزوجته لبيتهم ليستريحوا من السفرفقد تعبوا من طول المسافة ,وطلب جابر من زوجته ان تقوم بتحضير الغداء,وفي المساء تجتمع الاسرة علي مائدة واحدة,سعد وزوجته ,وجابر واسرته,تذكروا اياما كانت وما زالت,امتلئت عيونهم الما وحزنا علي فراق حسام الغائب الحاضربينهم ,و في معظم اوقاتهم وجلساتهم ,وبعد وجبة العشاء يجلس جابر وسعد ,للتحاور والتشاور في امورهم الخاصة,بالارض والفلاحة والشراكة
-مش هتقولي زعلان من مين يا جابر
-من عبد الصمد 
عبد الصمد راجلك من زمان ,هو بقي شريكك ,جاب منين فلوس للشراكة وهو علي قد حاله ,
– من شغله معاية قدر يكون فلوس حلوه وبقي معاية شريك,وبعد ما كبر وبقي معروف في السوق وتجارة الخضر والفاكهة ,عاوز يفك الشراكة بينا,وانت عارف يا سعد,انا معتمد عليه في شغلي 
-اية اللي حصل علشان يفك الشراكة الا بينكم,
– ولا حاجة حصلت يا اخويا
-هكلمه واشوف ماله وزعلان ليه
-يرسل سعد احد اقاربه ليخبر عبدالصمد بان يحضر بعد صلاة العشاء في منزله لامر هام,وفي المساء يجتمع سعد وجابر وعبد الصمد وبعض الاهل والاقارب لحل الخلاف بينهم ,
– اليوم اجتمعنا هنا للصلح بينك يا عبد الصمد وبين جابر,واحنا اهل واخوات ,وما ينفعش يكون بينا زعل ,وعاوزك تقول قدام كل الموجدين عن سبب خلافكم ,وليه عاوز تفك الشركة بينكم
-بسبب عمايل اخوك يا حاج سعد,ظلمني في كل شئ,وبيتطاول عليه بالكلام وقدام الناس,وانا خايف علي سمعتي واسمي في السوق
-اسمك وسمعتك,انت نسيت اني انا اللي عملتك ,نسيت نفسك يا عبد الصمد,انت حيالله كنت شغال بالاجرة معاية وواحد من رجالتي 
– اسكت يا جابر عيب الكلام دا ,ما يصحش وقدام الناس
-اسمع يا حاج سعد ,دائما بيعملني كدا ,وانا ساكت وعامل اعتبار ليك وللعشرة
-هتعمل اية يا واطئ,هتعض الايد الا اتمدت ليك بالخير
-والله العظيم هقول علي كل حاجة للحاج سعد ويعرف حقيقتك يا ظالم 
-حقيقة اية يا عبد الصمد
يدور حديث طويل ومؤلم للنفس ,ولم يصدقه عقل ولا منطق,الأخ هو السلاح الذي نواجه به صعوبات الحياة، وهو السند ومكسبنا في هذه الدنيا، هو نور الظلام , وعون على الأعداء، والأخ هو الصديق، ونسيم الروح,هو الشئ الذي لا يعوض مهما كان,وعندما ياتي الغدر والخيانة منه ,اذن علي الدنيا السلام ,فلم يبقي اي اعتبارا كان,واصبح الدم ماءا سائلا وكانها لم يكن ,حديث عبدالصمد قلب الامور واوجع القلوب وارجع الماضي المؤلم الحزين,فقد اخبر عبد الصمد ,سعد بالاتفاق الذي تم بينه وبين اخوه جابر للتخلص وقتل ابنه حسام الوحيد,ليكون جابر واولاده هما الورثة فقط لكل الارض والميراث.,يضج المكان بالصراخ وارتفاع الصوت,علي امر لم يكن في الحسبان,امرا قاسيا ومحزنا للجميع,الاخ يغدر ويقتل ابن اخيه,يصرخ جابر في وجه عبد الصمد قائلا”
-انت بتقول اية ,اوعي تصدق يا سعد,دا كداب
-لا مش كداب, ديها الحقيقة,من اسبوعين تقريبا ,ظلمني في الحساب كالعادة,وعندما طلبت حقي رفض ,فطلبت فك الشراكة بيننا,لانه لن ينصلح حاله ابدا,وعايش في حرام لا نهاية له ,وانا أنوي التوبة والرجوع لله,وسوف اتصدق من مالي وحسب مقدرتي ,تقربا لرب العالمين ,والله غفور رحيم
-أخبرني يا عبدالصمد, كيف رتبت لقتل ابني
– أراقبكم بين الحين والاخر,و دائما,وانتهزت فرصة وجود حسام في الشارع منفردا ودهسته بالسيارة.
-الكلام دا صح يا جابر
-ايوة صح,وكنت علي استعداد فعل وعمل اكتر من ذلك ,انت ظلمتني كتيرا وأكلت حقي يا سعد,وكنت مفضلا من والدك عني وفي امورا كتيرة,فقررت الانتقام والتخلص من حسام ابنك الوحيد,وتموت واكون وريثك وارد حقي وظلمي منك
-ليه عملت كدا يا جابر, انا رديت كل حاجة ليك 
-بعد موت ابنك حسام وتوبتك ورجوعك لله رب العالمين,ويا عالم لو مكنش ابنك مات كنت هتعمل فينا اية,انت السبب يا سعد من ظلمك وأكل حقي.
يسقط سعد علي الارض من شد الموقف ,فقد تذكر ابنه حسام وما حدث له,من أشد الأمورالدنيا قد ,تعرضنا للغدر والخيانة من أشخاص اعتبرناهم جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا، وثقنا بهم لحدّ الموت، ائتمناهم على أنفسنا، فقابلوا كلّ هذا بالغدر والخيانة، حتى أصبحنا لا نثق بأحد من حولنا، فحزنا وتألمنا وضعفنا من تعاملهم السيء لنا,والغدر والخيانة ان كنت من الاخ الشقيق ,باتت الحياة لا قيمة ولا معني لها,فقد انعدمت الانسانية وماتت القلوب ولم يبقي دما وصلة بين الاشقاء.

ينام سعد علي سريره ,ونظره معلق بسقف حجرته,مترقبا ويقظا,حزينا مما حدث ومما كان من غدر الزمن والاخ الشقيق له,يلتف الجميع حول سعد,ويطلب منهم ان يتركوه وحيدا منفراد في حجرته,ويطلب من زوجته ان تجهز الشنطة للرجوع والعودة للقاهرة لعل البعد يخفف من حسرة ووطاءة ما حدث من جابر الاخ الشقيق ,يتمتم سعد بكلمات بحسرة والم,قائلا: “يارب ظلمت نفسي وظلمت ابني معايه ,فرحت لما خلصت من ذنب الكلبة,وقولت الحمدلله,ولكن قدر الله باقي لا محالة,ومن اعمالكم سلط عليكم,ويا عالم يمكن لو مكنش مات حسام ,كنت هفضل علي وضعي واظلم واعيش حياتي كلها في لهو وتوهان وبعد عن ربنا”.

ينام سعد علي سريره متذكرا ما حدث في حياته منذ ان كان شابا مستهترا ,تذكر حادثة الكلبة,وظلمه لاخوه الاصغر جابر,واستهتاره بامور دينه,ثم موت ابنه حسام ورجوعه لربه تائبا عابدا ذاكرا متصدقا محبا للخير وفعله,وان ما حدث كان اختبارا قاسيا للنفس مؤلما ولا تتحمله اي نفس,هل يحمد الله علي ما حدث ,وموت وفراق ابنه حسام بهذه الطريقة المفاجأة كان سببا لتوبته ورجوعه لربه ,وان لم يمت حسام ,لم تكن التوبة ,والرجوع لخالق السموات والارض,تذكر ما حدث في حياته ,كانه شريط او فيلم يعرض امامه للمشاهدة,ثم توقف عن التفكير,وقام وتوضأ واتجه للقبلة للصلاة ,شاكرا حامدا لله علي ما حدث وما كان,واستغفارا وطلبا للمغفرة والتوبة عما اقترفه من ذنبا قد كان في مرحلة الشباب والاستهتار,ثم رفع يده مناجيا ربه وقت السحر’وقت طلب المغفرة والتوبة والعفو ,والرضوخ لله رب العالمين,طالبا من ربه ان تكون نهايته في سجوده ,ان الله غفور رحيم ,يحب عبده القريب منه المنيب التائب المجيب لندأه بالصلاة ,والتقرب بالاعمال الصالحات, قال الله تعالي”قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
الله قد استجاب لطلب ودعاء سعد التائب بصدق ,فقد مات ساجدا لربه ,لتكن خاتمة حياته مشرفة لاي مخلوق و بشر علي كوكب الارض,فعندم تصدق النوايا مع الله يكون اقرب اليك من حبل الوريد ,يكون سمعك وبصرك وقوتك ويدك وامانك ,ويبلغك مقصدك ومنتهاك انه نعم المولي ونعم الوكيل ,ولعل حادثة الكلبة السبب الحقيقي لرجوعه لربه وتوبته النصوح الصادقة من قلبه المؤمن بربه,فكل شئ عنده بمقدار وقدر.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق