مقالات

د أحمد عبد الحكيم يكتب : مفارقات ٱلْفقه

سما لي شوقاً أن أزور صديقي ؛ لأحمل عنه ٱلْفقه بعد طول ٱلتَّمادى في هجرانه، وكيف لا ؟! وأنا مذ عرفته ،وهو يفاخرني بأنَّه جالس ٱلْعلماء ،وٱلْفقهاء في ٱلْجامعة ،وٱلْجامع، وأنه ثنىٰ ركبتيه بين يدي شيخه خمسة عشر عاماً يتعلم ٱلْفقه ،وٱلْحديث ،وصحيح ٱلْمعتقد، فقلت في نفسي بما يفاخرني هذا الصديق ليتنبل به علي؟! فلما قصدته أنزلني في دهليز هنالك في ٱلْبيت ثم جاءني بقِرىٰ ٱلضَّيف، وتبسط معي كأنْ لم يكن بيننا قطيعةٌ ،ولاهجران فأحببت أن أعرف ٱلسِّر ٱلْذي وراء هذا كله فقلت له : بما تفاخرني ياصديقي ؟بجلوسك بين يدي ٱلْعلماء كأن ليس في ٱلدُّنيا سوىٰ شيخك؟فقالي لي : ياصديقي ٱلْعزيز هل تراهما يستويان ؟!من جلس أول مجلس بين يدى شيخه فرأى سيماه علي ٱلْمنبر وفي ٱلْمسجد بادٍ ظاهرٍ على محياه فكان أول ما طرق مسامعه من شيخه ، وهو بعد في غضارة ٱلصَّبي وفي مقتبل ٱلْعمر- أنَّه مدبراً عن ٱلدُّنيا زاهداً فيها ولو شاء لكانت بفضل ٱللَّه ورحمته عند أطراف أصابع قدميه، وكم له من حق لا يستوفيه! ورغب فيما عند ٱللَّه، ومن جلس أول مجلس من شيخه يعلمه أنه يعيش في بلهنية من ٱلْعيش ،وسعة. معدداً نعم ٱللَّه عليه كأنَّه أحد أبناء ٱلدُّنيا ثم يردف كلامه معلقاً علي من لم يمتلك ملكه قائلاً : (واللي ممعهوش مايلزموش). هل تراهما سواء ياصديقي؟ فنظرت إليه كٱلْمغضب فقال لي : لا يروعكَ ماقلت لك ،فهذا عندي من باب ٱلْوسائل لا ٱلْمقاصد ٱتخذته وسيلة لما أود لك أن تعلمه ،وإلا فكلاَّ منهما أفضىٰ إلى ماقدم وٱللَّه حسيبهم ولكن سترىٰ أثر ذلك إذا حان الأجل ثم عم ٱلصَّمت ٱلْمكان، وبعدها أذنته بٱلرَّحيل عله يأتي ٱلْيوم ٱلْذي أرىٰ فيه أثر هذا ٱلْذي يقول لي، ومضت ٱلْحياة ونسيت ما دار بيني ،وبين صديقي فإذا بعجوز في ٱلْعقد ٱلسَّادس من عمرها (قد خدد الزمن صفحة وجهها )تعترضني علي قارعة ٱلطَّريق أخذت بيدى وتنشدني بٱللَّه إلا أجبتها عما تسأل فقلت لها : سأفعل إن شاء الله ما ٱستطعت إلىٰ ذلك سبيلاً فقالت : ماتقول في قوله تعالىٰ في الآية ٱلْخامسة من سورة ٱلْأحزاب ( ٱدْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) وإني لأظنك فقيهاً وبٱلتَّفسير عليماً فقلت لها : إن معنىٰ ٱلآية أي ٱنسبوا أدعياءكم لآبائهم هو أعدل وأقوم عند ٱللَّه فإن لم تعلمواْ آباءهم ٱلْحقيقيين فٱدعوهم إذًا بأخوَّة ٱلدَّين ٱلتي تجمعكم بهم، فإنَّهم إخوانكم في ٱلدِّين ومواليكم فيه، وليس عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه، وإنما يؤاخذكم ٱللَّه إذا تعمدتم ذلك. وكان ٱللَّه غفورًا لمن أخطأ، رحيمًا لمن تاب من ذنبه. فقالت لي : ويحك يافلان ياضيعة ٱلْعمر ٱلْذي مضىٰ في ٱلْجامعة تدرس فيه ٱلْفقه وٱلشَّريعه، فوٱللَّه مازدت علىٰ ما أعلمه من معنىٰ ٱلآية شيئاً،وكنت أظنك فقيهاً، فصمَتُّ أستمع توبيخها لي ثم تذكرت هذا ٱلصَّديق ٱلْذي يتنبل علي بٱلْفقه وٱلْحديث فقلت لها : إن لي صديقاً يتنبل بفقهه وعلمه ،وأظنه أفقه منِّي بمعنىٰ ٱلآية فقالت : خذني إليه لعلَّني أجد عنده بغيتي فأخذت بيديها وقصدت صديقي فقلت له : لهذه ٱلْعجوز حاجة فأقضها لها : فقالت له : ماتقول في قوله تعالىٰ في ٱلْآية ٱلْخامسة من سورة ٱلْأحزاب ( ٱدْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) فحمد ٱللّْه جل شأنه وأثنىٰ علىٰ نبيه صلىٰ ٱللَّه عليه وسلم ،وقال لها للآية معنىٰ ظاهراً وهو تحريم ٱلتَّبني وأن ينسب ٱلرَّجل لغير أبيه ،ومعنىٰ آخر يفسره قول ٱلنَّبي صلىٰ ٱللَّه عليه وسلم كما عند أحمد في ٱلْمسند وصححه ٱلشَّيخ ٱلْإمام كما في إرواء ٱلغليل وهو قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم للرجل (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) ٱلْحديث بمجموع طرقه يقضي أن ٱلرَّجل إذا كان ذا مال عليه أن يكفي والده ٱلْمؤونة ولايستقيم ٱلعمل بٱلآية إلا وأن يقرنه ٱلعامل بٱلحديث وإلا فقل لي وما ٱلفائدة ٱلتي تعود علىٰ ٱلإنسان إذا نسب إليه ولده في سجلات ٱلْحكومة ومال ولده ينسب إلىٰ والده بالتبني ٱلذي هو مبني في ٱلأصل علي عقوق والده الذي في سجلات الحكومة ، وهنا ٱنفجرت ٱلْعجوز بٱلْبكاء وكأنها سمعت من صديقي ما تجده فالق كبدها وماتعانيه في آخريات أزمانها ،وما يمليه عليها وجدانها فسكنت من روعها ثم قالت لي : هكذا ٱلْفقه إن صديقك أفقه منك فقلت لها : ٱلْحمد لله أن وجدتي ضالتك ، وقال لي صديقي : هذا هو ٱلأثر ٱلْذي حدثتك عنه ياصديقي فإني لم أتعلم ٱلْفقه وحسب ولكني تعلمت ٱلْحلم، وٱلْأناة، وٱلنَّظر إلىٰ ٱلْمآلات لأغوص به في أعماق ٱلنَّص لأدري ما وراءه فقلت له : جزاك الله عني من معلم خيراً ثم أخذت بيد ٱلعجوز، ومضيت للموضع ٱلْذي ٱلتقينا فيه ،وٱفترقنا وفي قلبي من الأسىٰ للعجوز ما ٱللَّه به عليم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق