مقالات

الكاتب الاماراتي احمد ابراهيم يكتب : أولمبياد لندن رقم 444

 

 

 

 

هل ترى بيننا من لم يقرأ لم يسمع ولا يعرف عن مسرحية رقم 444 هو ذاته الذي كان قد استثمره الايرانيون يوما ليسرقوا به أضواء العالم في الثمانينيات باحتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوما.. دارت به طاحونة الفلك الدوار اليوم دون طحنه، فأعادته سالما 444 الى الملعب العربي من لندن.

 

 

ألاحظتموه 444 اليوم في بريطانيا؟ وأنظار العالم كلها متجهة نحو الأستاد الأولمبي بستراتفورد شرقي لندن لافتتاح دورة الألعاب الصيفية أولمبياد 2012 ؟ وكان هذا الرقم الثلاثي السلس الأربعائي عريس الحفل في نظري المتواضع ، سلسلته بثلاث أربعات 444، ولا مجاراته لأرقام أخرى ضخمة جديرة بالاهتمام، وانما لحاجة في قلب يعقوب سيعرفها أخوة يوسف بعد قليل.

 

 

الأرقام كانت بكثرة في المهرجان، كحضور زعماء 120 دولة وملوكها، رؤساؤها وزراؤها وحكوماتها، ومشاهدو الحفل اكثر من مليار شخص، والساعة السابعة واثنتي عشرة دقيقة التي قرع فيها جرس بيغ بين هي الأخرى رقم قياسي آخر، اذ تدق للمرة الأولى خارج قرعاته المعتادة عند كل ساعة صفر، منذ وفاة الملك جورج السادس والد الملكة اليزابيت الثانية.

 

 

وأرقام أخرى كرقم 12 ألف و877 كيلومترا مسيرة الشعلة الأولمبية التي امتدت ليوم الافتتاح برقم السبعين الى قصر هامبتون كورت قرب لندن، والملعب المكتظ برقم ثمانين ألف مشاهد ولا حتى رقم عشرة آلاف و500 رياضيون ولاعبون أو رقمي 302 ميدالية ذهبية و 17 يوم يتنافس فيها اللاعبون على تلك الميداليات، كل هذه الأرقام لم تشغلني على الاطلاق.

 

 

بل ولم يشغلني حتى ذلك الرقم الواحد لذلك الرجل الواحد في العالم الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي لم يحضر هذا الحفل، لانشغاله بتوقيعات حفل تقوية اسرائيل بتسليحها أكثر وأكثر في وجه الفلسطينيين العزّل، قد يذهب بعدها السنياتور الى تل أبيب مباشرة للمهرجان الأمريكي الاسرائيلي، فانتدبت عنه زوجته ميشيل أوباما المهرجان الرياضي العالمي بصفتها السيدة الأولى في العالم.

 

 

في الحقيقة لم تشغلني تلك الأرقام كلها ولا بعضها. وانّ ما أشغلني بصدق، هو ما أعلنته اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية في لندن، أن المشاركين الرياضيين العرب هذا العام، ذكورا واناثا منها المرأة السعودية للمرة الأخرى بلغ عددهم الاجمالي 444.

 

 

العرب اليوم برقم جميل ان استثمروه لغد جميل بحنكة. فيجعلوه امامهم لا خلفهم، هذا الرقم الأربعائي الثلاثي، لا يمثل 444 لاعبا ولاعبة في الميدان فحسب، وانما هم نجوم سكان العالم العربي برمّته، والذي قارب نصف مليار حسب الاحصائيات الأخيرة، الرقمُ لا بعدد لاعبيهم اليوم في لندن، ولا بعدد ذويهم وآبائهم المشاهدين من 22 دول عربية عبر التلفاز على موائدهم الرمضانية من الفطور والسحور، يتفاخرون بأبنائهم اللاعبين واللاعبات، وانما ايها اللاعبون وأنتم بالميدان، فليكن لكم أبناء ينادونكم غدا بالمثل، ويتضاعف كل عام.

 

عندما سمعت ان الفعالية الأولى في هذا المهرجان الدولي العملاق كانت السباحة ، تذكرت حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أطلقه قبل 1400 عام من بيئة صحراوية بدوية قاحلة علّموا أولادكم السباحة وركوب الخيل وحمل السلاح .. فلنخف هذا الحديث عن العدسات، أخشى عليها من سوء الترجمة سوء الفهم وسوء الاستخدام، خاصة لو كان المترجم مهاجرا مأجورا سلسا بين العين والباء من العربية الى العبرية، فانه قد يرفع كلمة حمل السلاح من آخر الحديث الى أول السطر، ظنّا منه انه الكلاشنكوف والحزام الناسف.

 

نعم أوصانا الرسول بحمل السلاح، لكنه سلاح العلم، بما عظّمه الله العلماء في كتابه الحكيم انما يخشى الله من عباده العلماء احتراما للعالم كائنا من كان هو وما كان علمه، لافرق ان كان عالما دينيا او رياضيا وطبيا واقتصاديا و فيزيائيا وكيميائيا حتى وان كان سندبادا بحريا، فالاسلام يحترم العلم، ويحرض على طلبه من مكة الى الصين.

 

أبنائنا اللاعبون 444 انتم في الميدان سفراء نصف مليار في 22 دول عربية، لستم بعباقرة اذا كان اعتقادكم بالعبقرية أنها قاعدة تنمو فقط بين أثرياء دول المتحضرة، ولستم بعباقرة اذا لم تُنمّوا وتضاعفوا رقمكم 444 الى 888 العام المقبل، رقما ينمو ويتضاعف كل عام، ومع كل خطة تنموية مقبلة ومتبادلة بين 22 دول عربية، ولستم بعباقرة اذا لم تُقنعوا منظمي أولمبياد 2012 في لندن، ان بين عواصم الدول العربية هناك عواصمٌ مؤهلة بل وتنافس لندن ونيويورك وباريس لاستضافة هكذا المهرجانات ان أتيحت لها المجال دون معاكسات ودون نظرة دونية.

 

ولستم بعباقرة يا أبنائي واخواني ان لم تُقنعوا اللون الأبيض، ان السماء الزرقاء تعرف ما يقوله الأبيض والأسمر، واننا لم نكذب بان السباحة التي اخترتموها الصفحة الأولى لأولمبيادكم عام 2012، كان قد وضعها بدويا من ظهر ناقته قبل 1400 سنة على الصفحة الأولى لمناهج أولادنا علّموا أولادكم السباحة ، وانه كان قد قال أيضا اثنان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال، فاذا كانت اليونان والأسبان لم تنعشهما اليوريو مهما غذّيتموهما؟ والصين لم تشبع من تنقيب بحر الشمال نفطا وغازا؟ فمن حقنا أيضا أن لا نشبع من هذا الأولمبياد العالمي بأسواره اللندنية ان لم تدخل احدى عواصمنا المأهولة وما أكثرها المأهولات، ناهيك عن تلك التي في طريقها للتأهيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق