بقلم د/ شيرين العدوي
قبل استكمال ما بدأته عن حقوق المرأة في سورة البقرة، يجب أن أوجه الشكر لمعالي وزيرة الثقافة د/ نيفين الكيلاني، ود/ أحمد البهي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب على حسن تنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في دورته 55، كما أثني على الهيئة الاستشارية المعاونة التي اُخْتِيرت بعناية فائقة، وأشكر كل العاملين الذين أخرجوا المعرض بهذا الشكل الجميل، ولمنظومة الشباب المتطوع الذين شاركوا في التنظيم.
وبعد؛ توقفت في مقالي السابق عند بعض آيات الطلاق في سورة البقرة؛ ومن يتأمل الأحكام يجد أن الله قد شدد فيها؛ ذلك لأن الشقاق يظهر العداوة بين البشر، وهو الأدعى لأكل الحقوق، ونسيان الواجبات ولذلك أولاها المولى عز وجل عناية فائقة. فإن طلق الرجل امرأته مرتين ثم أراد أن يسترجعها بعلمها وموافقتها فلا جناح عليهما، فإن لم تستقم الحياة بعد اتخاذ كل الإجراءات من عقد العزم ومراجعة النفس من الطرفين فعادا،
ثم استحالت العشرة فطلق الرجل الطلقة الثالثة؛ هنا لا يحل للرجل أن يرد زوجته إلا إذا نكحت زوجا غيره، وشروط زواجها ليس كما يفهمها الناس كمحلل من أن يكون الزواج صوريا، ولكنه زواج تكتمل فيه أركانه وشروطه، وهي العقد والمهر والهدية والبناء وقبل كل ذلك عقد العزم والنية على تكوين أسرة واستمرارها. فلماذا قال الله تعالى عند الزواج من آخر: ” فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون” ؟!
إنْ هنا شرطية أي شرط رجوعها لزوجها الأول تطليقها من زوجها الثاني، فلماذا فرض الله ذلك؟! لأن الرجال قبل نزول الإسلام كانوا يمسكون النساء إلى أن يقضين عدتهن، ثم يراجعنهن قبل أن ينتهين من العدة دون مهر، وكانوا يطلقون النساء ما شاء لهم أن يطلقوا دون عدد. فعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد الإسلام؛ طلق رجل امرأته، وتعذيبا لها وحبسا قال: لا آويك ولا أدعك تحلين، قالت كيف؟! قال أطلقك فإذا دنا مُضيُّ عدتك، أي إذا أوشكت عدتك على الانتهاء راجعتك،
فشكت ذلك للسيدة عائشة فأخبرت النبي، فنزلت الآيات التي حدد الله فيها المراجعة قبل انقضاء العدة بمرتين؛ فإما أن يمسكها بمعروف أي بكل شروط الزواج، أو أن يسرحها أي يطلق سراحها بإحسان أي بكافة حقوقها الشرعية الكاملة. فإن ردها للمرة الثالثة فعليه الحذر من الطلاق لأن في هذه المرة وحتى بعد قضاء العدة لا تحل له إلا بعد زواج من آخر. إن هذه الآيات تحفظ للمرأة حقها من ظلم بعض الرجال وتصون ماء وجهها من الذين غاب ضميرهم، واعتبروا المرأة متاعا بلا كرامة،
وقد راعى القرآن الكريم الحب والعشرة، فعلم أنه ربما يكون بين الطرفين رباط مقدس؛ فتحاول المرأة إقامة حياة مع زوج جديد فلا يحدث الوفاق لاعتيادها العشرة مع زوجها الأول، واختلاف طباع زوجها الثاني، فسمح لهما (المطلق والمطلقة) أن يتراجعا بشرط -فإن هنا شرطية- أن يطلقها الثاني بعد محاولة إقامة حياة حقيقية تكتمل فيها مقومات الاستقرار النفسي والأسري. وللحديث بقية.
