مقالات

آخر زمن ..

بقلم / حسنى فاروق أحمد ..
أظن – وليس بعض الظن اثم – أن شريحة كبيرة من المجتمع ، بات نسيجها السلوكى هشا ، بل و أكثر هشاشة من مصارين الجياع ، سلعة غريبة آتية من بعيد ، مبهمة ، يعجز عن فك رموزها كل من ادعى قراءة الغيب والطالع ، واحترف مهنة خدمة الجن والعفاريت .
نضجت الثمار ، وحقر الحصاد ، وفسدت البضاعة ، وعجزت العقول عن رصد تقلبات مناخ مفتعل ، انفتحت طاقات خفية لتصب فوق رؤوسنا فيضا من السخط والتقريع ، الرحمة رجس ، والمغفرة كبيرة من الكبائر ، السيئة بعشر أمثالها ، انفلقت قشرة الحياة عن أقوام تتحات جلودهم عن أجسادهم كورق نفضته أيدى ريح غبية ، واحتوتنا من كل جانب لغة محترفة فى الزمن العبء .
الأمر ليس سنة كما يعتقد الكثيرون ، أى سنة تلك ، أصار الحيد عن الطريق سنة ؟ ، هى ليست سنة ولا فرض ، ولا حتى بين هذه وتلك .
هنا تصريحات حماسية دامغة تدق عنق القيم ، وتزج بخنجر اللامبالاة فى بطن الرموز ، وتصريحات هناك تصدر ، ثم تدير رأسها فتنفى ما أصدرت . حالة مرضية معقدة من التكوين النفسى المضطرب الآتية من حيث لا ندرى ولا نعلم ، والتى تضرب بكل شئ عرض الحائط ، مفارقة هزلية ، لكنها تدعو الى الشفقة حينا ، والى الغضب أحيانا .
هذا هو المعلم ، ذلك النسيج الملائكى الذى يمتلك قدسية خاصة ، وكذا معاملة أكثر خصوصية ، والذى قدر له أن يمحو كل سوءات التكوين السلوكى – الطبيعية والمكتسبة – ويميط أذى الخرافة والجهل وسطوة العادات ، يصلح ما اعتقدنا أنه فسد ، ويهذب الطبيعة الشاردة والشاذة ، الآن .. صار المعلم كيانا غير شرعى ، كيانا مهددا بالانقراض ، عملة زائفة لا قيمة لها ، الكل يتفنن فى الفتك به ، والزج به فى غيابة جب مخيف ، وطمس معالم وقدسية ذلك الكيان ، والعبث بحامل ميراث الأنبياء ، والاستخفاف به بشتى الصور ، فى حين تمنح بعض الدول الحصانة للمعلم كحصانة نواب الشعب ، وذلك على أقل تقدير .
وهذا قانون غبى يشهر أصابعه فى وجه المعلم ، ويخبره علانية ، هكذا دون مواربة ، أو مراعاة لأى معايير ، وكأن هذا الإنسان غصة فى حلق الجميع ، وشوكة فى ظهر أصحاب القرار ، يعلن بعبارات فجة : احذر الطالب ، إياك أن تشهر فى وجهه عصا ، أو تسبب له اضطرابا نفسيا ، أو جسديا ، أو فكريا ، وإن تطاول عليك فمل برأسك أمامه ، واطلب منه متوسلا الصفح والمغفرة .
ناهيك عن أولياء الأمور الذين اتخذوا من هذا القانون حجة بليغة ، ورقة من عطايا أيد خفية ، وراحوا يزجون بسكاكينهم المسمومة بالتخلف فى أذني وقلب المعلم ، محذرين ومتوعدين .
وهنا يتبادر سؤال الى الذهن : ماذا خلف ذلك القانون ، وماذا خلفت تحذيرات أولياء الأمور ، الاجابة لا تخفى على كل ذى عينين ، لقد خلفت جيلا مستهترا ، مشوشا ، لعوبا ، أينما توجهه لا يأت بخير ، جيلا ادعى كذبا أنه صاحب قيادة مزعومة ، نذر نفسه طوعا لإله باطل يغشاه بالغي ، لن يوخزه قلب داخله ليحزن ، أو نفس لوامة تعتصر ضميره ، لن تلسعه أكثر كلمات اللغة افتراسا ، ولا أشدها لوما ، ولا أخبثها معنى ، ولا أمكرها إيحاء ، ولا أروعها سبكا ، يحمل فى يد مطواة – قرن غزال – ، وفى الأخرى سيجارة تحوى ما لذ وطاب ، جيلا عبث بنسيج القيم والمبادئ ، ونخر فى عظام الأخلاق ، و أطاح بكل المثل التى جادت بها السماء والأرض ، بحجة أنهم جيل الفهلوة والروشنة والفرقعة والشرشحة والفتاكة ، وحسن أولئك رفيقا .
فات صانعوا هذا القانون ، وكذا أولياء الأمور ، وربما تناسوا معا ، أن المعلم فى استعماله الشدة أحيانا مع الطالب ، انما هو تقويم له وانذار عن الخروج عن الاطار اللائق ، فلا أحد ينكر أن هناك نوعية من الطلاب لا يجدى معهم اللين والنصح والطبطبة .، ومن يفعل ذلك يلق أثاما .

 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق