مقالات

أحمد رأفت يكتب : لا أدري ما هو الوطن !

لا أدري ما هو الوطن ، لا أدري إن كنت أبحث عنكم ، أم عني في هذه الحياة .. لا أدري عن هويتي .. في أي زمن فقدتها أو الزمن القادر على إرجاعها ، لا أدري إن كانت تغريك فلسفتي أم تغريني أنا في سردها .. لا أدري إن كان وطني يعلم بأني أبكي عليه معك ، أو تعلم أنت بأنه لا أبكي إلا بحضورك ، يخيفني حضورك الذي أبكي بعده الغياب ، أسلّم لك مجرى دموعي وأخشى أن تسلبه مني بعد السلام ، لا أحد يدري عن السلام ، نقرأه في عيون الخائفين ونكتبه نثراً عن الخائنين .. و ، أتنهد … إن لم أتسامر مع وحدتي ستهجرني هي الأخرى ولن أبقى وحيد فقط ، سيذرني الله فرداً .. تخيل معي ، فرداً عاجزاً بلا هوية ولا وطن يبكي على ضياعه … مُعلَّقاً ، لا يقوى على المضي ويخاف أن يكتب عن الطوفان.

أنا لا أخاف من الذي سبق شيئاً ، لأنني لم أجرّب الأفضل ، أنا أخاف الغرق فقط .. الآن تخيل معي ، أنا في وسط الطوفان .. يحاول عقلي التنفس فيأبى جسدي ثم ما يلبث جسدي إلا أن يختنق فيصرخ .. ينادي الهواء ، أتفكك أنا .. تسبح أفكاري إلى الهاوية ، يتفتت قلبي .. فتغرق كل القصص وبينما تحاول يداي جمعه ، أنظر إلى عروقي وإذ بها ملئت بالعتب ، العتب على الوطن ، أنتشل عروقي مني فتسقط معهم الخيبات ، لم يبقَ مني الكثير ، هذا ما خشيته .. أن أتناثر .. لا قدرة لي على أن أعود فرداً واحداً حتى ، حتى شَعْري يجد الطوفان فرصته المناسبة لأن يتمرد علي ، يلح علي بالسؤال ” لماذا لم تتركنى أتنفس قبلاً .. قبلاً أي قبل أن تخاف مني وتغطيني” ، هكذا لا أجد إجابة ، هكذا أختار أنا النهاية بما أنني لم أختر البداية ، أضم علي ما تبقى مني وأسترخي .. منذ مدة ما استرخيت ، لم يعد يخيفني أي شيء ، لم أبقى معلّق ولا حتى أهوي ولم أنجو فعلاً ، ظننت بأني ضحية ، لم أدري أن يدي كانت بجانب يد الجلاد ، نصير جناةً بعد الغرق ، نحارب طغو الطوفان بأن نطغى.

مخيفٌ هذا الخيال في الحقيقة ، لم يصر حقيقة فلا أوطاننا طوفان ولا حرياتنا مطلقة ولم يحكمنا الطغاة قطْ .
صوتٌ من بعيد ..
فوق النخل ، ماذا هناك فوق النخل ؟ ليس القمر ..إنه وجه أمي ينتحب وتدّعي أنني هجرتها ، أنا لا أقوى على الهجران يا أمي ، فلا حبلي السري انقطع عنكِ ولا عروقي تجردّت من حب الوطن ، كل ما في الأمر أنني لبثت مطولاً في الطوفان فتغير لون وجهي ، وجهي لم يعد وجهي فلم تعرفيني .
أتذكرين عندما كنت أشكو إليكِ ألم معدتى ؟ لا زالت تؤلمني يا أمي .. هي الوجع الوحيد الذي أقوى على إخباركِ إيّاه ، لا الطوفان ولا الصراع ولا الخيانة ولا العزاء أوجاع تعنيكِ.
أنا يا أمي أنتظر أن تضمي قلبي وتهدهدي عليه إلى أن يلجأ وجعي إليكِ ، قادرةٌ أنتِ على احتضان الآلام التي أبكيها أنا ، هل يكترث الوطن يا أمي لوجعي كما اكترثت لأوجاعه أنا ؟ لا أدري ، لا أدري ما هو الوطن وأين هو السلام الذي نطمح أن يحصّله العالم ، أدري فقط بأني أريد أن تمر عليّ حياتى بسلام وليذهب سلام العالم إلى الجحيم .

🖊أحمد رأفت

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق