هل يحكم إِبْلِيس العالم ؟

بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
1- إِبْلِيس.
مَنْ هُوَ إِبْلِيس ؟وهل له اشتقاق في اللغة العربية أَمْ أَنَّهُ اسم أعجمي ؟وما هي صفاته ؟وما هي علاقة إبليس بالجن ؟ وهل إبليس هو أبو الجن وأصلهم ، كما أن آدم هو أبو الإنس ، أم أنَّ إبليس هو العاصي من الجن وواحد منهم ؟، للإجابة على هذا الأسئلة يلزمنا التعرف على إبليس ،و الجن ؟وما علاقة أحدهما بالآخر ؟ وما هي طوائف الجن وأسمائهم وأوصافهم وقدراتهم ؟ وهل إبليس أصل الجن ؟ وما هي الحكمة من خلق إبليس ؟ وما هو السر في بقائه إلى آخر الدهر؟ وهل يحكم إبليس العالم ؟
2- إبليس في اللغة:
(بلس) الباء واللام والسين أصلٌ واحد، وما بَعْدَه فلا معوَّلَ عليه. فالأصلُ اليَأْسُ، يقال أبْلَسَ إذا يَئِسَ، قال تعالى { حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)} [ سورة المؤمنون، الآية : ٧٧ ] قالوا: ومن ذلك اشتُقّ اسم إبْليس، كأنَّهُ يَئِسَ مِنْ رحمة الله، ومن هذا الباب أبْلَسَ الرجُلُ “” أي “سَكَت من يأس قال تعالى { لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)} [ سورة الزخرف، الآية : ٧٥ ]” “وأَبْلَسَ الرجلُ: قُطِعَ بِهِ، وأَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه أَي يَئِسَ ونَدِمَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ إِبْلِيسُ وَكَانَ اسْمُهُ عزازيلَ. والبَلاسُ: المِسْحُ، وَالْجَمْعُ بُلُسٌ” والإِبْلاسُ: الحَيْرة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسَها أَي تَحَيُّرَها ودَهَشَها.. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: الإِبْلاسُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ القُنُوط وقَطْعُ الرَّجَاءِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى؛ وأَنشد:
وحَضَرَتْ يومَ خَمِيسٍ الأَخْماسْ وَفِي الوجوهِ صُفْرَةٌ وإِبْلاسْ
والإِبْلاسُ: الِانْكِسَارُ وَالْحُزْنُ. يُقَالُ: أَبْلَسَ فُلَانٌ إِذا سَكَتَ غَمًّا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
يَا صاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسا؟ … قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُه، وأَبْلَسا
3- لفظة إبليس عَرَبِيَّة أم أَعْجَمِيَّة :
هل كلمة إبليس عربية لها اشتقاق وأصل في اللغة العربية؟ أم أنها كلمة أعجمية ممنوعة من الصرف لا أصل لها في العربية .؟
اختلف أهل اللغة في هذه المسألة على رأيين:
الأول :قالوا بأنَّ إبليس اسم عربي، على وزن إفعيل، مشتق من الإبلاس، وهو الإبعاد من
الخير، أو اليأس من رحمة الله ويؤكد هذا الرأي ما سبق ونقلناه من أمهات كتب اللغة، مما يؤكد على أنَّ كلمة إبليس لها أصل واشتقاقات في اللغة العربية .
الثاني : أنَّ إبليس اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية، وقد ذكر ابن الأنباري أن إبليس لو كان اسمًا عربيًا لم يصرف كإكليل وإحليل “قَالَ أَبو إِسحاق: لَمْ يُصْرَفْ لأَنه أَعجمي مَعْرِفَةٌ.، وذكر الزبيدي أن إبليس لا يصح أن يشتق ، وقد غلط العلماء الذين قالوا باشتقاقه، وذكر الطبري بأنه: لم يصرف استثقالًا، إذ كان اسمًا لا نظير له من أسماء العرب، فشبهته العرب إذ كان كذلك بأسماء العجم التي لا تجري كما في إسحاق حيث لم يجروه، وهو مشتق من أسحقه الله إسحاقًا، إذ وقع ابتداء اسمًا لغير العرب التي تسمت به العرب، فجري مجراه، وهو من أسماء العجم في الإعراب فلم يصرف، وكذلك أيوب إنما هو من آب يئوب”
قال ابن حجر: “وقد تعقب بأنه لو كان اسمًا عربيًا مشتقًا من الإبلاس لكان قد سمي به بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه”
وسواء كان إبليس مصروفًا أو ممنوعًا من الصرف “فهو أبو الشياطين ،وكبيرهم ، وأصلهم الأول .. والشياطين هم المتمردون من عالم الجن، وإذا كانت الملائكة هم جُند الله الذين يمثلون الخير والفلاح والصلاح، فإن إبليس ومن معه من الشياطين هم أعداء الله الذين يمثلون الشر والفساد، فأعمال الملائكة والشياطين على طرفي نقيض، إذ أن أعمال الملائكة تتجه أول ما تتجه إلى عبادة الله، وترقية الحياة، وتنظيم أمر هذا الوجود، وإقامة معالم النظام ،وهى تعمل دائمًا على التأليف والتجميع والتنسيق، وهداية الإنسان إلى الحق، ودعاء الله أن يغفر له سيئاته ويحفظه منها، أما أعمال الشياطين فهي تتجه دائمًا إلى التمرد على الله، وإلى التفريق والتمزيق والتخريب والتدمير، وقطع ما أمر الله به أنْ يوصل، ووصل ما أمر الله به أنْ يُقْطع، فما من شر في الأرض ولا فساد في الوجود، إلَّا ولهم به صلة، وهم الذين زينوا للأمم السابقة سوء العمل، وحسنوا لهم الكفر والمعاصي، ودعوهم إلى تكذيب الرسل ومخالفة أوامر الله، ولا تزال هذه أعمالهم قال تعالى { تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [سورة النحل – الآية 63] .
وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِى خُطْبَتِهِ « أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِى يَوْمِى هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ –أي ذهبت بهم للباطل- وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ-أي من الأنعام كالبحيرة ونحوها-وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَا فالشياطين هي التي دعت إلى تحريف الدين، والخروج على الفطرة، وإلى الإشراك بالله، وحرمت الحلال، وأحلت الحرام، ولا تزال الشياطين تقعد للإنسان بكل طريق صادة عن سبيل الله ومحاولة صرفه عن جلائل الأعمال.
4- إبليس في الاصطلاح :
إبليس “هو رأس الشياطين والمتمرد جمعه أباليس وأبالسة “ولا يوجد تعريف اصطلاحي لإبليس في الشرع ، إذ هـو مخلوق معروف لدى الأديان الأخرى ، وهو رمز الشر عند كل شعب مـن الشعوب ودين من الأديان وطائفة من الطوائف ، أما إذا أردنا أنْ نُعـرف إبليس في هذا البحث ، فسيكون تعريفه تعريفاً وصفيًا على ضوء المفهـوم الشرعي ، وعليه نعرف إبليس بأنَّه : الجان الذي أبى السجود لآدم حين خلقه اﷲ ، فاستحق لعنته ،وطُرد من جنته ، ووجبت له النار بعد إنظار اﷲ له إلى يوم القيامة ، وأوتي من وسائل الإغواء ما لم يُؤت أحد من العالمين . .. …………….وللحديث بقية .